رحلة تحول دكتور احمد الشاعر : من فوضى العادات إلى قدوة في روتين الانضباط والصحة
بقلم: دكتور/ أحمد الشاعر
استشاري العلاج الطبيعي والتغذية – قصر العيني، جامعة القاهرة
مؤسس مراكز هيلثي للعلاج الطبيعي والتغذية في الخليج ومصر
هل تساءلت يومًا عن القوة الحقيقية الكامنة وراء قرار واحد؟ ليس قرارًا عابرًا، بل قرارًا جذريًا ينسف واقعًا كاملاً من العادات السلبية ليبني مكانه صرحًا من الانضباط والصحة. هذه ليست قصة نظرية أرويها من الكتب، بل هي خلاصة رحلتي الشخصية، أنا الدكتور أحمد الشاعر، من فوضى صحية كنت أعيشها قبل عام 2017 إلى نظام حياة متزن أصبحت فيه مثالًا حيًا لما أنادي به اليوم في عياداتي ومراكز “هيلثي”. هذا المقال هو دليلك لفهم أن التحول الحقيقي يبدأ باعتراف صادق، ويعقبه قرار حاسم، ويثبّته انضباط لا يلين.
لماذا أشارك هذه القصة الآن؟
لأنني أؤمن أن أقوى رسالة يمكن أن يقدمها الطبيب ليست فقط في علمه، بل في صدقه وتجربته. قبل 2017، كنت أعيش نقيض ما أدعو إليه الآن. جاءت الصحوة بفضل الله، وبدأت رحلة انضباط لم تغير صحتي الجسدية فحسب، بل أعادت تشكيل نفسي، وقراراتي، وحتى حياتي الروحية. أشاركها لتكون مصدر إلهام وعون لكل من يبحث عن بداية جديدة.
المشهد بصراحة: كيف كانت حياتي قبل 2017؟
لكي نفهم قيمة التحول، يجب أن نواجه نقطة البداية بصدق تام. لم تكن الصورة مثالية، بل كانت صورة رجل استسلم لدوامة من العادات المدمرة التي كانت تسرق منه طاقته وصحته بهدوء. كانت هذه هي ملامح حياتي اليومية.
- وزن زائد وخمول مستمر: كان الشعور بالإرهاق هو الحالة الطبيعية، والطاقة المنخفضة تحد من قدرتي على العطاء سواء في العمل أو مع الأسرة.
- التدخين اليومي: عادة راسخة كانت جزءًا من روتيني، بكل ما تحمله من أضرار صحية معروفة للجميع.
- إدمان الكافيين: كنت أصل إلى شرب 10 فناجين من القهوة يوميًا، مما أدخل جهازي العصبي في حالة من الاستثارة المفرطة والقلق وتقلبات المزاج الحادة.
- السكر والقمح كقاعدة أساسية: كانت الحلويات والخبز والمعجنات جزءًا لا يتجزأ من كل وجبة تقريبًا، مما كان يغذي الالتهابات وتقلبات سكر الدم.
كانت هذه هي الفوضى. الصدق هو بوابة التغيير؛ فحين تعترف بنقطة البداية الحقيقية، مهما كانت صعبة، يصبح الطريق نحو وجهتك الجديدة واضحًا وقابلاً للقياس.
عام 2017: سنة التحوّل الكبرى ونقطة الصفر الجديدة
لكل رحلة عظيمة لحظة انطلاق. في عام 2017، اتخذت قرارًا لم يكن قابلاً للتفاوض أو التأجيل. كان قرارًا شاملاً ومفصليًا، بني على إدراك عميق بأن استمراري في نفس المسار لم يكن خيارًا مطروحًا. لم أبحث عن حلول تدريجية، بل عن تغيير جذري يعيد ضبط المصنع للجسم والعقل.
قرارات حاسمة تم تنفيذها فورًا:
- الإقلاع التام عن التدخين (Zero Smoking): كان هذا هو التحدي الأول والأصعب، ولكنه كان حجر الزاوية الذي بني عليه كل شيء آخر.
- التوقف الكامل عن الكافيين (Zero Caffeine): الانتقال من 10 فناجين قهوة يوميًا إلى صفر. قرار تطلب قوة إرادة هائلة للتغلب على أعراض الانسحاب، ولكنه أعاد لجهازي العصبي هدوءه المفقود.
- الامتناع عن القمح ومنتجاته (Zero Wheat): وداعًا للخبز والمعجنات وكل ما يحتوي على الغلوتين، وهو ما ساهم في تقليل الالتهابات وتحسين الهضم بشكل ملحوظ.
- قطع السكر المضاف (Zero Added Sugar): الاعتماد فقط على السكريات الطبيعية من مصادر منخفضة السكر مثل الأفوكادو والبرتقال البلدي والكرز.
- تبني الرياضة كمنهج حياة: لم تكن الرياضة خيارًا ترفيهيًا، بل أصبحت ركنًا أساسيًا. بدأت بممارسة الكيك بوكسنج بمعدل 3 حصص أسبوعيًا، وهي عادة ما زلت أواظب عليها حتى اليوم.
فك شفرة التحول: لماذا نجح هذا الروتين؟
لم يكن هذا التحول مجرد صدفة أو نتيجة حماس مؤقت. كل قرار تم اتخاذه كان مبنيًا على فهم فسيولوجي ونفسي عميق لكيفية عمل الجسم والعقل. لنحلل معًا لماذا كانت هذه التغييرات فعالة إلى هذا الحد.
1. الأثر الفسيولوجي: من تقلبات الطاقة إلى الاستقرار المذهل
كان الهدف هو تحرير الجسم من الأغلال الكيميائية التي تفرض عليه تقلبات حادة في الطاقة والمزاج. كل عنصر تم التخلي عنه كان يلعب دورًا في هذه الفوضى الداخلية.
العنصر المُستبعد | الآلية الفسيولوجية المحتملة | الأثر المتوقع على الاتزان النفسي |
---|---|---|
السكر المضاف | تقليل تقلبات الجلوكوز في الدم، مما يخفف من الارتفاعات والانخفاضات الحادة في الطاقة والمزاج. | هدوء داخلي أكبر، تقليل الشعور بالتوتر المفاجئ، وزيادة القدرة على ضبط النفس والاندفاعية. |
القمح والمخبوزات | تقليل الحمولة النشوية السريعة، تخفيف الانتفاخ والالتهابات المرتبطة بالغلوتين لدى البعض. | خفة جسدية تنعكس في شكل صبر أطول وتركيز أعلى، وتحسين جودة النوم. |
الكافيين | خفض فرط الاستثارة في الجهاز العصبي المركزي، السماح للغدة الكظرية بالتعافي، وتحسين دورات النوم الطبيعية. | تقليل التهيّج والعصبية، زيادة القدرة على التحكم في ردود الفعل الغاضبة، ونوم أعمق وأكثر إصلاحًا. |
الفاكهة عالية السكر | تجنب القمم السريعة للجلوكوز والفركتوز، والحفاظ على استقرار مستويات الأنسولين. | ثبات في المزاج على مدار اليوم، تركيز أطول، وتقليل الرغبة الشديدة في تناول السكريات. |
2. الأثر النفسي والذهني: من قرار انفعالي إلى حكم راجح
عندما يستقر الجسد، يصفو العقل. لم يكن التحول مجرد فقدان للوزن، بل كان اكتسابًا لوضوح ذهني وقدرة على اتخاذ قرارات أكثر نضجًا وهدوءًا. هذا هو التسلسل الذي لاحظته:
- صفاء ذهني صباحي: نتيجة النوم العميق بعد إيقاف الكافيين وتقليل السكريات، أصبحت أستيقظ بذهن صافٍ بدلاً من الشعور بالضبابية.
- طاقة مستقرة طوال اليوم: بدلاً من الاعتماد على “جرعات” من الكافيين والسكر، أصبح الجسم يعتمد على حرق الدهون كمصدر طاقة مستقر، مما أتاح قدرة أعلى على التفكير البارد وغير الانفعالي.
- تراجع محفزات التوتر: اختفت الأعراض الجسدية للقلق مثل خفقان القلب والتهيّج العصبي المرتبطة بالكافيين، مما سمح باتخاذ قرارات أكثر نضجًا وهدوءًا تحت الضغط.
الانضباط الجسدي وأثره على الصفاء الروحي
أحد أعمق التحولات التي لمستها كان في علاقتي بالعبادة. الانضباط عادة واحدة تسري على جميع جوانب الحياة. عندما تضبط جسدك، فإنك تهيئ روحك وعقلك لحضور أعمق.
البعد | قبل 2017 | بعد 2017 |
---|---|---|
الخشوع في الصلاة | تشتت ذهني وإرهاق جسدي يمنع التركيز. | حضور ذهني أعلى وصفاء نابع من هدوء الجسد. |
الالتزام بالمواقيت | عدم انتظام بسبب الخمول وتقلبات اليوم. | اتساق يومي لأن اليوم أصبح منظمًا ومبنيًا على روتين. |
الأثر السلوكي (الحلم) | تقلبات مزاجية وسرعة غضب. | حِلم أكبر وسيطرة أعلى على الغضب، فالهدوء الداخلي ينعكس خُلُقًا. |
مقارنة سريعة: رحلة التحول بالأرقام والحقائق
لتلخيص حجم التغيير، إليك نظرة مقارنة سريعة تضع الملامح الرئيسية لحياتي قبل وبعد نقطة التحول في عام 2017. الأرقام والكلمات هنا تتحدث عن نفسها وتوضح مسار رحلة الانضباط الذاتي.
البند | قبل 2017 (مرحلة الفوضى) | بعد 2017 (مرحلة الانضباط) |
---|---|---|
الوزن والطاقة | وزن زائد + خمول مزمن | وزن متزن + طاقة عالية ومستقرة |
التدخين | عادة يومية راسخة | إقلاع كامل ونهائي |
القهوة/الكافيين | ~ 10 فناجين يوميًا | صفر |
السكر المضاف | مستويات استهلاك مرتفعة | صفر |
القمح | عنصر أساسي يومي | امتناع كامل |
الرياضة | غير منتظمة ومتقطعة | كيك بوكسنج (منذ 2017) + جري منتظم |
الغضب/الاتزان | تقلبات مزاجية وعصبية | سيطرة أعلى وهدوء واتزان |
العبادة | تشتت وضعف تركيز | ثبات وخشوع أعلى |
القرارات | انفعالية أحيانًا | أكثر رجاحة واتزانًا |
أبحاث علمية ورؤية مستقبلية: ما وراء التجربة الشخصية
كتخصصي في مجال التغذية والعلاج الطبيعي، لا يمكنني فصل تجربتي الشخصية عن الأدلة العلمية. هذا النهج في الحياة، القائم على نظام غذائي منخفض الالتهابات (خالٍ من السكر والقمح) مع رياضة منتظمة، تدعمه العديد من الدراسات الحديثة في مجالات طب نمط الحياة (Lifestyle Medicine) والتغذية السلوكية.
- تأثير النظام الغذائي على الدماغ: أبحاث متزايدة تربط بين استهلاك السكر المكرر والغلوتين وزيادة الالتهابات في الجسم، والتي بدورها تؤثر سلبًا على وظائف الدماغ والمزاج، وتزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.
- محور الأمعاء-الدماغ (Gut-Brain Axis): العلم يؤكد اليوم أن صحة الأمعاء تؤثر مباشرة على الصحة النفسية. إزالة الأطعمة المصنعة والقمح يعزز بيئة الأمعاء الصحية، مما ينعكس إيجابًا على إنتاج النواقل العصبية مثل السيروتونين.
- الرياضة كمضاد للاكتئاب: أثبتت دراسات لا حصر لها أن التمارين الرياضية، خاصة عالية الشدة مثل الكيك بوكسنج، تطلق الإندورفينات وتقلل من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، مما يجعلها أداة فعالة لتحسين المزاج والاتزان النفسي.
طموح أكاديمي: تحويل التجربة إلى دراسة حالة (Case Study)
هذا النمط الحياتي بتفاصيله وتأثيراته الموثقة يصلح كدراسة حالة علمية قوية في مجالات طب نمط الحياة والتغذية السلوكية. لدي طموح شخصي قائم للتعاون مع جهة أكاديمية أوروبية مرموقة (مثل معهد متخصص في أيرلندا) لتوثيق هذه التجربة علميًا ومنهجيًا عند استكمال الإجراءات الرسمية، لتكون مرجعًا للباحثين والمهتمين.
📌 تنويه مهني شفاف:
التأثيرات المذكورة في هذا المقال مستندة إلى خبرتي الشخصية المدعومة بمؤشرات بحثية عامة حول سلوك الجلوكوز، النوم، وفرط التنبيه العصبي. هذه ليست وصفة طبية عامة؛ فالاستجابة فردية وتتطلب تقييمًا شخصيًا وحذرًا، ويُنصح دائمًا باستشارة مختص قبل إجراء أي تغييرات جذرية على نمط الحياة.
يومي الآن باختصار: كيف يبدو روتين الانضباط؟
لقد تحول يومي من سلسلة من ردود الفعل العشوائية إلى مجموعة من الطقوس المتعمدة التي تخدم أهدافي الصحية والمهنية والروحية. هذا هو هيكل يومي الآن:
- 🕌 الفجر: بداية روحية وهادئة تمنح اليوم إيقاعه المنضبط وتضبط بوصلته.
- 🏃♂️ التمرين: جلسة جري أو كيك بوكسنج. هذه ليست مجرد رياضة، بل هي صيانة للجسد والعقل، وتفريغ للضغوط قبل أن تبدأ.
- 🏥 العيادة ومراكز هيلثي: تحويل العلم والخبرة والتجربة الشخصية إلى خدمة حقيقية للناس ومساعدتهم في رحلاتهم الصحية.
- 👨👩👧👦 الأسرة: وقت نوعي ومقدس، أحرص فيه على أن أكون قدوة عملية لأبنائي، لا مجرد مصدر للشعارات والنصائح.
- 📚 التعلّم المستمر: تخصيص وقت يومي للتطوير المهني وقراءة أحدث الأبحاث للحفاظ على التميز وتقديم أفضل خدمة ممكنة.
الأسئلة الشائعة حول رحلة التحول والانضباط الذاتي
هل يجب أن أتوقف عن كل هذه العادات (سكر، قمح، كافيين) دفعة واحدة؟
تجربتي كانت بالإيقاف الفوري، وهو ما ناسب شخصيتي ورغبتي في تغيير جذري. لكن هذا النهج ليس للجميع. البعض قد يستجيب بشكل أفضل للتغيير التدريجي. الأهم هو البدء. يمكنك البدء بإلغاء عنصر واحد، مثل السكر المضاف، لمدة أسبوعين، ثم إضافة عنصر آخر. الاستشارة المتخصصة من خبير مثل فريق “مراكز هيلثي” يمكن أن تساعد في وضع خطة تناسب حالتك الفردية.
ليس لدي وقت للرياضة العنيفة مثل الكيك بوكسنج، ما البديل؟
المبدأ هو الحركة، وليس نوع الرياضة بحد ذاته. إذا كان الكيك بوكسنج لا يناسبك، فالبدائل لا حصر لها: الجري، السباحة، تدريبات القوة، أو حتى المشي السريع لمدة 30 دقيقة يوميًا. القاعدة الذهبية هي الاتساق. اختر نشاطًا تستمتع به لتتمكن من الالتزام به على المدى الطويل.
كيف أتعامل مع أعراض الانسحاب الشديدة عند قطع الكافيين والسكر؟
أعراض الانسحاب حقيقية، خاصة صداع الكافيين وتقلبات المزاج عند قطع السكر. التعامل معها يتطلب استعدادًا:
- الترطيب: شرب كميات كبيرة من الماء.
- النوم الكافي: امنح جسمك قسطًا إضافيًا من الراحة في الأيام الأولى.
- بدائل صحية: استبدل القهوة بشاي الأعشاب، والرغبة في السكر بالدهون الصحية (مثل المكسرات والأفوكادو) التي تمنح شعورًا بالشبع.
تذكر دائمًا أنها مرحلة مؤقتة، والصفاء الذي ينتظرك بعدها يستحق هذا العناء.
قرارك اليوم هو واقعك غدًا
إن رحلة التحول من فوضى العادات إلى الانضباط الصحي ليست حكرًا على أحد. هي متاحة لكل من يملك الشجاعة لاتخاذ قرار صادق، والإرادة للالتزام به. قصتي هي مجرد دليل على أن التغيير ممكن ومتاح.
إذا كنت تبحث عن مرشد متخصص في رحلتك نحو صحة أفضل وحياة أكثر اتزانًا، فإنني وفريقي في مراكز هيلثي للعلاج الطبيعي والتغذية في مصر والخليج، نضع بين يديك خلاصة سنوات من العلم والخبرة العملية والتجربة الشخصية لنكون أفضل معين لك في هذه الرحلة.
خدمات اخرى :
برنامج تدريبي علمي لزيادة القوة والتحمل كيفية الإقلاع عن الشاي والقهوة ومشروبات الكافيين
خطة علمية للتخلص من إدمان الشاي هنساعدك تبدأ بجد دكتور احمد الشاعر